سمبوزيوم كايروترونيكا الدولى فى قصر الفنون.. زخم من الذكاء الصناعى
بقلم فاطمة على // جريدة القاهرة ١٠ مايو ٢٠١٦
سمبوزيوم كايروترونيكا الدولى الأول فى قصر الفنونزخم من الذكاء الصناعى فى عالم القرن 21 الافتراضى
طمس المعالم بين “الفن” و”الواقع” و”الميديا الإلكترونية”
المشاهد جزء أساسى متفاعل داخل الفضاء الافتراضى الفنى
فى توقيت مذهل.. فى وقت تسوده حالات إحباط وإحساس عام باللاجدوى من تتالى أحداث محبطة مفتعلة على مصر من الداخل والخارج فاجأنا قطاع الفنون التشكيلية بإقامة “سمبوزيوم دولى للفنون الالكترونية والميديا “ وكأنه ينتشلنا الى آفاق مستقبل مثير يجب أن نعيشه بحماس كجيراننا سكان الكرة الارضية الذين نشاركهم قرننا الحادى والعشرين .. هذا الحدث جاء فى وقت نحتاجه للغاية للارتفاع بالخيال والتحليق لمجالات ابداع لم تكن متوقعة بهذا القدر الهائل الذى يقدمه السمبوزيوم من التنوع التقنى والنوعى فى الفكرة ومادة العرض الفنى باستخدام العلم الذى قد ينبهنا الى أهمية الانخراط وبقوة فى عالم أفضل وألا نزيد من إغراق أنفسنا فيما يبعدنا عن احترام آدميتنا وإقبالنا على الاستمتاع الحقيقى بالفن وبمنجزاته التى لنا مساهماتنا الفعلية فيها .. ففى مصر فنانون شباب متميزون بالفعل فى التعامل الفنى بالتقنيات الألكترونية وبوسائط الميديا الحديثة ولهم أعمال لها مكانتها تعرض فى الفعاليات الفنية العالمية حول العالم .. إلا أننا نحتاج – وهذا جزء من دور السمبوزيوم – إلى أن تصبح هذه ثقافة ورؤية فنية للمشاهد العادى ولتربية أولادنا الصغار – حتى من طلبة المدارس – على ثقافة العلم وليس ثقافة التسلية بمنتج العلم خاصة ونحن نعيش قرنا من الزمن بلغ مداه فى كل شىء وما زلنا نتعامل وأبناءنا مع منتج التكنولوجيا الالكترونية كوسيلة تسلية وإضاعة وقت عبر الموبايلات الذكية ومواقع الكمبيوتر للتسلية .. لذلك يجب التوجه بالتقدير الى الفنان المثقف دكتور خالد سرور رئيس قطاع الفنون ولمدير الكايروترونيكا هيثم نوار ولمن ساعد لانجاز هذا الحدث المهم والكبير ليس فقط لإقامة السمبوزيوم كحدث مهم بل لإقامته بجميع مفردات خدمة العرض الذى يحترم المشاهد ويساعده على الاستمتاع بما يقدم اليه فقبلا ولسنوات فى حضورى لعروض بوسائط الميديا لم تكن الأجهزة العارضة فى غالبها تعمل فأحيانا جهاز العرض معطل وأحيانا الصوت منفصل وكثيرا الجناح بأكمله غارق فى سكون مطبق .. أما فى هذا العرض فالأدوات جميعها تساعد المشاهد على الاستماع بالرؤية الى حد المعايشة فالسماعات نقية الصوت والأجهزة جميعها تعمل والشاشات تعرض عملها حتى ولو لم يكن هناك مشاهدون حتى أننى قضيت بالمعرض أكثر من الوقت المحدد لموعد الإغلاق لفترة الراحة ولم تطفأ أمامى أجهزة أو تفصل الكهرباء كما كان يحدث دائما .. وان كان ما ذكرته مسائل بديهية للعروض الكبيرة او الصغيرة فهو بالفعل أمر بديهى ولكن المشاهد المصرى كان محروما فى الأكثر من مشاهدة عمل بالوسائط الحديثة مكتملة جوانبه كما حدث مع هذا السمبوزيوم والذى أتمنى ان تستمر إقامته سنويا على نفس هذا المستوى لأن مصر والمشاهد وطالب الفن المصرى يستحقون أن يُعامل باحترام لوجودهم داخل قاعة العرض .. وأذكر أنه سبق وأقيم عام 2004 عرض كبير لفن الفيديو السويسرى وكان على نفس المستوى من التجهيزات أقيم أيضا فى قصر الفنون لكنه لم يكن عرضا دوليا ولا بمشاركة مصرية ..
.. لذلك سمبوزيوم القاهرة الدولى الأول للفنون الألكترونية والميديا المقام بقصر الفنون والذى انتقل امس – 9 مايو – بعروضه الى الجامعة الأمريكية بالقاهرة هو حدث لا يجب أن يمر كحدث عادى فهو حدث دولى لآخر إبداعات ستين فنانا فى مجالات : الأعمال المركبة التفاعلية ..الأعمال المركبة ..عروض الفيديو ..الفيديو التفاعلى ..ألعاب الكترونية ..صور مركبة متحركة ..عروض صوت ..تطبيق تفاعلى ..عروض مرئى هولوجرافى ..عروض ثلاثية الأبعاد مع كثير من تفاصيل الإبهار الالكترونى لفنانين من “مصر” و”المانيا” و”ايطاليا” و”روسيا” و”امريكا” و”اثيوبيا” و”هولندا” و”سوريا” و”جنوب افريقيا” و”لبنان” و”البرتغال” و”تونس” و”انجلترا” و”الفلبين” و”استراليا” و”الهند” و”قبرص” و”الكويت” و”الصين” و”فرنسا” “وسويسرا”.. المعرض الضخم كميا ونوعيا وفى مستوى تنافسى لقيمة وجدية كل الأعمال مفاهيميا وتقنيا بما يصعب الكتابة تفصيلا عن الأعمال الستين جميعها.. لكن الأهمية أو الحالة التى تسود السمبوزيوم بمجمل أعماله الفنية أنك بدخولك لقصر الفنون وتوجهك لأول عمل تختاره لتبدأ به جولتك ينتابك إحساس بالمسافة الواسعة بين “الميديا” و”العالم الواقعى” وان الواقع قد تغير واصبح الوضع اقرب للهولوجرافى ولم يعد الواقع هو الواقع .. كما ان العرض يؤكد ما أصبح مستقرا فى الوجدان بما حدث من طمس المعالم بين الفن والواقع والاتصال الوثيق بين الفن والتكنولوجيا بين السمعى والجرافيكى والرسم المتحرك وفن الفيديو والتفاعلى مع الاعتماد على تخليق وابداع تقنيات وخامات جديدة .. كما تنتابك تساؤلات حول مفهوم وتوغل الحياة الاصطناعية والذكاء الصناعى فى مجال الفنون والشبكات الإلكترونية ..
داخل السمبوزيوم وداخل حركة “الفن – الإلكترونى” أصبحت الصورة سائلة تمر عبر مفهوم الزمن خلال عروض الفيديو السائدة بالاعتماد على التكنولوجيا لتكرار وخلق الصور داخل مساحة يحدها زمن محدود .. لتصبح الصور الواقعية والزائفة معا امام المشاهد ما يزيد ويكثف خبرته حول إمكانية طمس المعالم الفاصلة بين الفن والواقع الافتراضى وأيضا إمكانية الفصل بينهما ربما يؤكد هذا العرض أنه بالفعل لا يوجد الفن فى الاشياء مجردة مهما كانت تقنيتها وقدر كفاءة عبر الصورة مفاهيميا قدر ما يوجده المشاهد كعامل فاعل وفعال بقدرته على تجربة نفسه فى الفهم والادراك والمعايشة ثم المشاركة .. والمشاركة التى أقصدها ليست الوجدانية بل المشاركة التفاعلية بذهنك أحيانا وبجسدك كثيرا فى أعمال الفيديو أو العمل المركب التفاعلى .. ويدرك المشاهد بنفسه أن التفاعل بينه والعمل الفنى لم يعد كما كان قبلا فى المكان المحدود بلمس العمل الفنى كشىء مرئى مجسد فمع أعمال الفيديو آرت أنت لا تلمس العمل ولا تراه فى المكان بل تراه عابرا زمنيا عبر شاشة مسطحة يحكم وجوده مدة زمن عبوره وان توقف زمن العرض بإمكانك ان تسترجع زمنه بضغطة زر لتعيده مرةأخرى عابرا من جديد وان توقف عرضه تحول الى وهم رؤية فى عالم افتراضى غير ملموس لكنك تتفاعل ذهنيا مع ما مر أمامك ودائما أعمال الفيديو القائم مع العمل المركب ينمو فنه الادائى بوجود المشاهد الذى يصبح جزءا حيويا وأساسيا يدرك قيمة وجوده الفنان أكثر من المشاهد نفسه ..
.. ربما من ذكاء تنسيق المعرض أن استقبلك أول عمل بعنوان “باب الجنة” للفنان المصرى “سامح الطويل” وكأنه عمل تجهيز المشاهد للنقلة النوعية لمفهوم السمبوزيوم عن الواقع .. العمل مكون من شاشة ثابتة لمشهد منظر طبيعى متحرك ببطء شديد من حدائق واصوات مصاحبة لطيور وبارتدائك نظارة موصولة بجهاز العرض والكمبيوتر تجد نفسك فى مركز كرة وليس دائرة بل كرة يمكنك ان تشاهد سطوحها الداخلية اعلى واسفل والى الجانبين والمتحركة بنيران ترمز لنيران جهنم ولحدائق غناء ترمز لحدائق الجنة .. هذا العمل يحولك فى المكان والزمان فى مشاهد ليست من الواقع بينما انت محصور فى داخل كرة همية تتحرك وتتنفس كأنك فى بطن الأرض تمر من حولك صور متتالية بين نقيضين معنويين لا تمسك بهما أو تلمسهما لكنك منفعل بهما ورغم أنك فى قلب المشهد تماما إلا انك منعزل وسط فيض الصور حتى تكتشف ما لا تراه وما تحسه .. ففى المكان الذى تختلط فيه الاشياء لا يعد هناك مؤشر أو بوصلة الرجوع إلى عالمك الحقيقى إلا بخلع نظارة الرؤية الالكترونية من فوق عينيك .. ربما رمزية هذا العمل أدخلت مشاهد السمبوزيوم داخل فكرة الفن والعالم الافتراضى دفعة واحدة محاطا بكل جوانب هذا العالم الافتراضى المتحرك وهو خارج العمل وداخله من نفس مكان وقوفه ولن يتأتى انتقاله بصريا وايهاما وزمنيا لإسترداد واقعه إلا بمجرد خلع نظارة الرؤية التى نقلته فى لحظة من الافتراضى الى الواقعى ..
أهم ما فى هذا السمبوزيوم إنها تربط المشاهد المصرى الذى اعتاد استخدام الأجهزة الإلكترونية الرقمية بسهولة حاليا من خلال الكمبيوتر والموبيلات الذكية وغيرها أن يكون استخدامه لها داخل العرض له سمة فنية إبداعية مبهرة من خلال الأعمال المعتمدة على التفاعلية بين المشاهد والعمل وأن يكون جزءا من العرض بأداء منه لا تكتمل رسالة العمل إلا بوجوده .. والتى بدا فى قصر الفنون أكثرها جذبا للمشاهد العمل المركب التفاعلى للفنانة الالمانية “بيتى مو” بعنوان “ الاجنحة” حيث يصبح المشاهد بمشاركته المتفاعلة والأدوات الحديثة هو العمل الفنى ذاته حتى ولو للحظات يصبح خلالها جزءا من الفكرة ومنفذها منتقلا فى ثوان من العالم الواقعى إلى الافتراضى داخل هيئة هولوجرافية أى يصبح وهم مرئى .. وهذه هى تجربة الفن أن تصبح حواسك متنقلة فى المكان فوق سطح افتراضى غير قابل للمس وأن تصبح أنت وجود افتراضيا غير محقق ولو باللمس ..ولتصبح أنت العمل الفنى ذاته فى لحظة معينة وأن تكون المراقب لنفسك بنفسك كنسخة منك تمتلك أجنحة افتراضية ..
وبينما فى العمل التفاعلى “الاجنحة” أصبح المشاهد مشاركا أساسيا فى العمل الفنى وفى العمل “باب الجنة” أصبح المشاهد متواجدا بجسده داخل بطن العمل الفنى.. لنجده فى فيديو “صقل السطح” للألمانية “لوتا ميريت ايفنجر” يقف خارج العمل متلصصا لهمسات الجلد الانسانى وليس نبضه ثم فى مفارقة نفاجأ باندفاعات لسوائل متناثرة كالبركانية فى الهواء ثم يُحاط الجسد والأظافر والعين والوجه بما يشبه الطمى البركانى المنسحب بطيئا لزجا ليحتل أجزاء من الجسد تأتيه حثيثا.. وهنا أراها كعمليات إحلال أو إغراق من اللزج السائل للجسد النابض داخل عالم يحتل حواسنا تدريجيا بنفس قدرة التحول من الواقعى الحى إلى الإغراق الافتراضى..
.. وبينما عمل “صقل السطح” يقدم لنا همسات ما تحت الجلد الإنسانى حتى إغراقه.. نجد العمل المركب للفنان الاسترالى” لورانس والين” “عن إعادة بناء المشهد الطبيعى“ مقدما فوق منضدة بالعرض مطوية من الورق منفذه برسومات غير واضحة كتفسيرات باللون الأسود موضوعة أسفل جهاز عرض فيديو وفى الجدار المقابل لوحة عرضية لمشهد طبيعى بالأحبار غير محدد المعالم فى رؤية تجريدية باللون الأسود بينما على الشاشة نشاهد ببطء شديد تحول المشهد فى حركة تشمل زوايا الرؤية وتشمل عناصر المشهد الطبيعى بمفرداته المموهة فى تحولاته اللونية والشكلية كأننا نشهد نبض الطبيعة التى قد تتحول عناصرها إلى هشاشة مازالت نابضة كأن الطبيعة حلقة نابضة بين الانسان ومفهوم الكونية قدمها الفنان فى شكل تراكمى كنبضة حياة فى تحولاتها داخل كون متنامى ذاتيا ..
كذلك الفيديو ستيريوستوبيك بعنوان “ سلسلة التقلبات المتداخلة” للفنان الأمريكى “دينيس دوتى” والذى لا يمكن مشاهدة الفيديو الا بارتداء نظارة خاصة بالعرض يقترب فى كثير من مفهوم الفنان الاسترالى لورانس والين حيث التحول البطىء المستمر أمامنا فى هيكل الطبيعة جزئيا كأننا نشاهد تذبذبها تحت المجهر فى حيوية بطيئة لكن الهيئة الكلية للمشهد توحى بأنها مقاطع لطبقات أرضيه حادة الحواف تندفع فى توازيات أفقية تشق الفضاء فى هيكلية منتشرة الى الجانبين والى أعلى وقد نفذه الفنان بشكل معقد باستخدام النحت والتصوير الضوئى وبتكنولوجيا متقدمة حوسبية..
اما العمل المركب “ 16 مجهول وعنصر غير قابل للإلغاء “ للفنان اليابانى “نوريميشى هيراكاوا “ داخل جناح معتم فيما بورتريه معلق منفذ بالخطوط الالكترونية بدرجات اللون الرمادى كأن الفنان جز الصورة جزا ليسمح للمشاهد بمشاركة المؤثرات والمرئيات المعقدة فوق شاشة العرض الضخمة فى مقابل البورتريه تنعكس عليها رسومات مشفرة الكترونيا كأنها الهيئة الأخرى للمؤثر الصوتى والتى تظهر رسومه فجأة فى عصبية ناثرة خطوطا حادة ونقاطا داخل فضاء الشاشة كأنها مجسمة خطية مجوفة لتختفى وتظهر فى ومضات كرسوم لشبكات متداخلة من الخطوط والشظايا المتفجرة أو كأنها تفجر كونى تفرغ من بعضها البعض مكونة اشكال اقرب للهولوجرافية يصحبها أصوات إيقاعية منفذة الكترونيا وليس كمؤثرات موسيقية ..
أما الأعمال المعتمدة على المؤثرات الصوتية كأنها للعبة الكترونية نراه يظهر أكثر فى فيديو الفنانة الهندية “ مانجوت كاور “ بعنوان “ الفيديو الذى لا يمكن التحدث عنه “ وفيها الإيقاع يأتى كمؤثر صوتى لحركة ميكانيكية تتبع حركة الخط والرسوم فى تنقلاتها من حالة ذهنية لأخرى سريعة لتداعى وعى يظهر تلقائيا فى رسم الفنانة لآلة أو نسر أو تفاحة أو عربة تنفذها على قدر سرعة حركة الخط فكان المؤثر الصوتى تماما كصوت مسموع لتحولات الخط السريع إلى أشكال غاية فى البساطة والتلقائية يغلب عليها الميكانيكية الإيقاعية ..
وفيديو “ حلى لارتداء المشاعر “ للفنانة اليابانية “هازوكى كاتاجاى” يتمتع بخصوصية فبتقنية تكنولوجيا إنتاج الفيديو آرت وباستخدام الفنانة فى العرض خامات من أسلاك ودوائر كهربائية وملفات أسلاك ولمبات صغيرة لتعبر بها عن ماهية المشاعر الإنسانية فى مفارقة أن تجعل اللامرئى من مشاعر اكسسواراته الخارجية المرئية من بقايا خامات حادة .. ربما أرادت الفنانة أن تجعل من تلك الخامات حافز أو مقابل شبه نفسى بخصائصها للتعبير عن عدد حوالى العشرين من حلى تعبر بها أو تبدو عبرها كاكسسوار لمشاعر تلقائية ..
وعلى العكس من فيديو” حلى لارتداء المشاعر” أتى عرض العمل المركب التفاعلى “ سيتزن – المواطن 1 “ للفنان المصرى “محمد شكرى” ليس قاهرا فقط للمشاعر بل وللتعبير عن قهر تعبير الإنسان عن نفسه كإنسان .. عمل الفنان مكون من شاشة “ال سى دى” أسفلها كاميرا وفى المقابل فوق أرضية مكان العرض وضعت صناديق كرتونية متجاورة داخل كل منها بالون مرسوم فوقه وجه إنسان مكمم الفم بشريط لاصق على هيئة حرف “إكس” الذى يعنى الرفض او هو علامة تدل أحيانا على القهر وأحيانا ضد القهر.. المشاهد يجد صورته داخل شاشة العمل المركب حينها يصبح جزءا من العمل الفنى .. وحين يتجول داخل العمل المركب يجد تلك الوجوه داخل علب الكرتون فى مشهد كرتونى بائس كعلب محكمة متلاصقة إلا من جانب واحد نشاهد منه تلك الوجوه أسيرة دون أجسادها معبرا الفنان بذلك عن اهتمامه بالتعبير عن الحجر القهرى على وسيلة التعبير ووسيلتها الفم وإخراسه لشخوصه وتعليبهم فى كراتين .. أى تحويل الإنسان الى مجرد شىء داخل كرتونة .. هل هذا اضطهاد أم شك أم جنون عظمه ؟
.. ويقدم الفنان “ماركوس نويزتاتر” من جنوب افريقيا عمل مركب بعنوان “المقتنيات العامة – القاهرة “ فى رؤية تجمع بين نسخ مجسمة لقطع اثرية مصرية موضوعة فوق منضدة مسقطا عليها الضوء من زاوية منخفضة فانعكست المجسمات كظلال مكبرة فى خلفية الجدار .. ربما يوحى العمل بأن تلك القطع المقلدة بتكبيرها هى وهم متضخم لحقيقة مقلدة وليست أصلية .. لأن الأصلية هى فى كثير منها أكثر بعدا منا فى المكان متناثرة فى متاحف حول العالم وقد رآها الفنان فى تجواله بين مخازن متاحف عالمية تحمل مجرد أرقام فعكسها على جدار قصر الفنون مجرد ظلال لواقع زمنى بعيد .. وهنا ندرك البعد الزمنى فى عمله وقد عبر عنه ببعد الضوء المنعكس بعيدا عن الأشكال ذاتها ..
عادة اى سمبوزيوم لا تقل مدة عرضه عن شهر كامل ولا أعرف لماذا يقام فى قصر الفنون لمدة سبعة أيام فقط من 3 الى 9 مايو لينتقل بعدها إلى الجامعة الأمريكية بميدان التحرير من 9 الى 17 مايو مع فعاليات لعروض متفرقة فى نفس الوقت فى المراكز الثقافية الاجنبية المشتركة فى الفعالية.. أعود لمدة العرض القصيرة جدا فى قصر الفنون أهم مقاصد الجمهور المصرى لمشاهدة الفنون النوعية خاصة هذه أول دورة للسمبوزيوم ولا أجد احتفالا واجب بها بتخصيص وقت كاف لمشاهدتها من الكبار والصغار كثقافة لتوجه فنون القرن الحادى والعشرين وما وصل اليه من إبداعات بصحبة العلم اللالكترونى والفن الرقمى.. وكنت أتمنى ألا يمر سريعا حدثا مهما وفريدا هكذا دون أن يُتيح الفرصة للمشاهدين بالتدريب التزامنى بين الحواس بصريا وسمعيا وحتى جسديا بتواجدهم التفاعلى كجزء من الأعمال الفنية التركيبية التفاعلية والميديا بكل وسائطها لإختبار قدراتهم بين الحس والإدراك و قدرة تتبع إدراكهم حتى نهاية التجربة ..
هذا السمبوزيوم هو نتيجة لتعاون فى الخبرة مثمر بين قطاع الفنون وفنانى مصر بمشاركة جامعة بليموت ببريطانيا بكلية الفنون والميديا والمركز الثقافى البريطانى والمركز الثقافى الفرنسى والسفارة الامريكية والمؤسسة السويسرية الثقافية ومعهد جوته والمعهد الثقافى الايطالى ومؤسسة اليابان بالقاهرة.. وكان نتيجة هذا التعاون- رغم قصره الزمنى – فى صالح تبادل الخبرات والتواصل وتبادل الافكار بعروض شباب فنانى الميديا المصريين على التساوى فى الإبداع وبعض من فنانى العالم من ذوى الاسم والممارسة فى هذا المجال.. خاصة والسمبوزيوم يستضيف مجموعة من الأكاديميين والفنانين لإلقاء عدد من المحاضرات فى مجال الفن والميديا بوسائطها الالكترونية والروبوتات وعلم الترميز والشبكات الالكترونية ..
فاطمة على